>
بحث مخصص

الاثنين، 12 يناير 2009

محمد عبد النبي يكتب لحلاوة روح


هذه القصة هي اولي مشاركات الروائي الشاب محمد عبد النبي معنا..والذي وافق علي الكتابة لحلاوة روح مشكورا..محمد عبد النبي هو كاتب صاحب لغة تفاجئك بساطتها ..يملك روح شاعر في اختيار الكلمات ..وفي الحديث عن التفاصيل .يستطيع ببساطة ان يجعل حكاياه الخاصة جدا وكأنها تخصك انت ويجعل من قصصك وتفاصيل حياتك اشياء تخصه هو.يستطيع ان ينفذ اليك وقتما يقرر ذلك .وبينما نجد هناك فجوة بين الاديب والمتلقي عادة نجدهذه الفجوة لن تلبث ان تختفي في حالة عبد النبي ..اترككم مع ادب مختلف بطعم شباب هذا الوطن ..بل ادب له طعم الوطن ..وان لم يكن يتناول الوطن


قبطان

يتهيأ الميدان في صمت لاستقبال المساء، ضجة المساء و حركة المساء. كنت أنتظر صديقي و أدخن و أفكر في الوقت الذي يضيع من حياتنا و نحن ننتظر و ندخن، دون أن يكون بمقدورنا أن نفعل شيئاً، أي شيء. أجلس على مقعد من مقاعد الميدان الخشبية الطويلة. بجانبي شابان يأكلان ساندوتشات الفول و الطعمية، و يتكلمان. أحدهما واثق من آرائه كل الثقة، و أموره واضحة و محسومة: ما بين البائع و الشاري يفتح الله. و الآخر كان مضطراً إزاء هذه الثقة أن يبدو متردداً قليلاً، فهو صاحب المشكلة على أي حال: و من يضع يده في الماء ليس كمن يجد يده على النار. و كنت أنتظر صديقي الوحيد تقريباً، الوحيد الذي تبقى، أو الوحيد الذي لم يتلاش بعد تدريجياً. و أسلي نفسي بالتفكير في الشخصيات الدرامية التي يتوجب علينا أن نلعبها في كل لحظة، أمام أنفسنا أو أمام الآخر. إذا كان الآخر يؤكد فإننا نشكك تلقائياً. و إذا أبدى الإحباط نشجع و نحمس، و إذا غاب ننتظر. أفكر في المسرح اليومي، و في صديقي الوحيد الذي قد يتلاشى هو الآخر تدريجياً يوماً بعد الآخر، و موعداً بعد موعد يتعذر على أحدنا الحضور إليه. و رحت أتحدث إليه في عقل بالي عن المسرح اليومي، هنا في هذا الفضاء مثلاً حيث بدأ المساء يقترب مثل نمر مفترس يجب ألا يصدر أي صوت، و إلا انتبهت الفريسة له و لاذت بالفرار. أكلمه عن العرض الأول و الأخير لمسرح كل يوم، العرض الثمين الذي يبدد ذاته بذاته في شجاعة الفنان الذي يصل به الاكتفاء أو الهوس حد الاستغناء عن أي جمهور من أي نوع. بلا مرآة، و بلا آخر، إلا الحد الأدنى، صديق واحد مثلاً لم يتلاش بعد. صديق يحب المسرح، و لا تترك له الدنيا في بدنه أو عقله فتات طاقة لكي يهتم بالمسرح، و يلعب، و يحلم. صديق على حافة الموعد، و يحدثني على المحمول عن اقترابه من الميدان، و أحدثه في عقل بالي عن أشياء لا رأس لها و لا ذيل.
ينهض الشابان، يحمل كل منهما شخصيته الدرامية على عاتقه، في استعداد للدفاع عنها حتى النهاية. و يجلس مكان أحدهما رجل في منتصف العمر، ينظر مثلي إلى ساعته و محموله و يتلفت نحو الطريق عن يمينه و عن يساره. لذا فقد تركنا بيننا مساحة خالية، عسى أن يأتي من ينتظر هو أو من أنتظر أنا. و كان نمر المساء الآن قد دب أنيابه في عنق الميدان، و حطت الظلال أمام محل الفول و الطعمية حسن السمعة، و أمام المطاعم السياحية غير حسنة السمعة. أمام البارات نحيلة الإضاءة، التي أنزل إلي واحد منها أحياناً مع صديقي. ثلاث أو أربع درجات للأسفل، تحت مستوى الشارع. هذا البار يصر على إدارة الراديو على محطة الأغاني، و هذا شيء طيب، ربما نشرب هناك اليوم، بعد موعدنا مع المهتمين الآخرين بالمسرح، لنتكلم و نخطط، و نتبادل التجارب. تأكد الآن ضوء الأعمدة السوداء الرشيقة، و من أمام شركة الصرافة ينظر نحوي واحد معرفة قديمة. ينتظر تحية، و بعدها حوار، و قد يطول الحوار. لديه كشك سجائر و خلافه، لكنه يصطاد زبائن شركة الصرافة، و يغير لهم العملة. بل إن الزبائن أنفسهم يأتون هنا ليسألوا عنه، يقتربون منه قائلين بابتسامة تواري القلق: أنت صالح؟ و مع بداية معرفتي به حدثتني نفسي أن وراء تغيير العملة أمور أكثر تعقيداً و خطورة. فلم أذهب إلى المواعيد المتفق عليها معه، و لم أعد أهاتفه. لم أخف، لكنه كان يسأل أسئلة كثيرة عن كل شيء في حياتي. و لم أكن أحب هذا، خاصة حين يطرحها شخص حياته ملآنة بالبلايا أصلاً.
و قبل أن يأتي صديقي الوحيد تقريباً بدقيقتين، يظهر الرجل داكن السمرة في المكان. أحب أن أصفه الآن متخيلاً نفسي إبراهيم أصلان مثلاً: العدسة اليمنى لنظارته القديمة مشروخة. يرتدي بدلة، سترتها رمادية من قماش ناعم، و سروالها رمادي داكن من قماش خشن. ذراعه اليسرى معلقة من تحت سترته و ملفوفة في الشاش الأبيض الصلب. كان يقترب من الجالسين بوحه بائس، مطمئن لهذا البؤس و مستريح إليه كأنه ثوبه القديم. كان من السهل تخمين إدمانه للكحول بناء على نبرة كلامه و عينيه المشتعلتين بنار حمراء. يرفع إبهام يده اليمنى نحو السماء، فيذكرني ربما بالمسيح، أو بشخص ما يقسم أمام الحكمة ليشهد السماء و الأرض على صدق أقواله:

" أنا قبطان... مش من هنا... من اسكندرية... لكن مكسور..اللوكاندة خدت حاجتي و هدومي....أنا شخص محترم جداً و ابن أصل، الزمن جار عليه. أنا قبطان مكسور، مانيش متسول..."

كان يهتز اهتزازاً هيناً و هو يتلو سطور نصه المرتجل، فيتأرجح الكم الأيسر المتحرر من ذراعه للحظة، قبل أن يعود ثابتاً إلى جواره.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

عمل جيد يا استاذ محمد ..مبروك لحلاوة روح علي الاضافة القويه

elhadidi يقول...

قصة جميلة جدا خلتني احس اننا بتفرج على فيلم او مسرحية بجد قصة تحفة

حلاوة روح

اختبار الحب الحقيقي

اختبار الحب

اختبار الحب بين شخصين ... اكتب اسم الشخص الاول ثم اسم الشخص الثاني واضفط على احسب ... تكتب الأسماء بالحروف الإنجليزية فقط.

+ =

searsh